فبراير 14، 2012

الحكومة (قصة قصيرة)

الفصل الأول

في زمن كان فيه العالم كبير ، ولم يكن سكان القرية البسيطة التي تقع بين جبلين يعلمون بما يجري في العالم ، كان لدى القرية رئيس يحكم القرية بالعدل والإحسان ، كانوا القرويين يحبون رئيسهم ، فهم يلتمّون حوله كلما ضاق بهم المعيشة وكلما واجهتهم مشكلة ، والرئيس كان كريماً حنوناً على قريته ، بالرغم أن هناك كثيرون من يمكن أن يقال عنهم أكثر حكمةً وعقلاً من الرئيس إلا أن القرويين لم يخطر في بالهم ولو في لحظة بأن يحكم قريتهم غير رئيسهم المحبوب ، فما يريدون أكثر مما يحصلون عليه ، يأكلون مما يأكل الرئيس ، ويسكنون كما يسكن الرئيس ، فمصيرهم واحد ، إن أصبح الرئيس ثرياً صاروا أثرياء ، وإن أصابه مشكلة صبر فصبروا معه.

الفصل الثاني

زار ذات يوم شخص غريب القرية ، رحبوا به سكان القرية ودلّوه إلى رئيس القرية ، ضيّفه الرئيس وأحسن استضافته ، وكان القرويين يلتمون في منزل الرئيس ، ويتدافعون لخدمة الرئيس وضيفه الجديد ، لاحظ الضيف الغريب محبوبية الرئيس بين رعيته وكيف أنه لا يتصنع حاجزاً بينه وبين رعيته كما هو معروف في العالم الذي كان يعيش فيه ، وفي المقابل لاحظ أيضاً كيف أن القرويين يحبون رئيسهم ويحترمونه ، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، وكانوا يدافعون عن سمعته وعرضه أكثر من أنفسهم وأعراضهم ، بعد إنقضاء اليوم وعودة كل قرويّ إلى كوخه ، استفرد الغريب الرئيس وصار يعلمه مما يَعلم من عالمه ، شرح الغريب كيف أنه لم يعجبه ما رأى ، فكيف برئيس قرية أن يخالط القرويين وهو أعلى منهم منزلة ، فأين هيبة الرئيس ومكانته إذاً! ثم صار يشرح له كيف أن عليه أن لا يدخل عليه أحد إلا عند الضرورة ، فوقت الرئيس ثمين ولا يتسع للقرويين ، حاول الرئيس أن يدافع عن سياسته ولكن سرعان ما انهار أمام شهوة الكبر والغرور ، كيف لا وما يعد به الغريب يرفعه منزلة وثروتةً ، ومع مرور الأيام صار الغريب يعطي اقتراحات أكثر للرئيس.

الفصل الثالث

ويوماً بعد يوم صار الرئيس يتغير ويتحول على القرويين ، وصار عقله وعقل الغريب واحد ، فقد أغلق بيته أمام القرويين وصار أسلوب اللقاء مع القرويين هو عن طريق المقابلات والشروط صارت مملة وطويلة وسخيفة ، قلّما صار يجتمع مع القرويين ، حتى أن القرويين صاروا يجتمعون عند غيره ، لم لا ورئيسهم بابه مغلق ، لم يعجبه الرئيس ولا مستشاره الغريب الأمر ، واعتبروا الأمر مؤامرة للاستيلاء على السلطة ، فأمر باعتقال كبار القوم وأنزل عليهم العقاب ، لم يعجب القرويين الأمر فصاروا يكرهونه ، فعيّن الرئيس حرّاساً لنفسه ليحمي نفسه وقد اختار حمقى القوم وبعض من لا أخلاق أو علم له ليطيعوه دون تردد ، وكان ذلك أحد اقتراحات الغريب ، ثم فرض الرئيس الضريبة ليدفع أجور حراسه ، صار يخاف على نفسه من القرويين وخاصة بعد أن اتسع المسافة بينه وبين القرويين ، صار القرويون ينتبهون لشخصيات أخرى في القرية بل يلجؤون إليهم عند الحاجة ، ثم إن الضريبة العالية زاد القرويون فقراً وزاد الرئيس غناً.

الفصل الرابع

صار القرويون يشعرون فالطبقية والظلم ، وغادر الحكماء والعقلاء القرية ليجدوا لهم قريةً أخرى يعيشون فيها ، كيف لا وقد أُهينوا وظُلموا وأكل حقوقهم ، ومن الجهة المقابلة زاد الرئيس الحرّاس وبالتالي الضريبة مما أدى إلى نفور الكثيرين فهاجروا ، ولم يبقَ في القرية إلى الرئيس والحرّاس وحمقى القرية ، عندها لم يستطع أن يدفع أجورهم فثاروا عليه ، كيف لا وهو من نصب المجرمين حراساً له لكي لا يرحموا ولا يشعروا بشيء حينما ينزلون العقاب على القرويين ، فانقلب السحر على الساحر فقتلوا الرئيس ونهبوا البقية الباقية من القرويين ، وصارت القرية منذ ذلك الحين مرتعاً لقطاع الطرق واللصوص ، لا يدخلها أحد إلا وهلك ولا يخرج منها أحد إلا وأفلح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق